فصل: قول المسيح: أنا في الآب والآب في:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وجاء نحو هذا المجاز أيضا، في القرآن الكريم، كثيرًا كقوله تعالى: {وما رميت إذا رميت ولكن الله رمى} الأنفال/ 17. أو قوله سبحانه: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم} الفتح/ 10، أو قوله: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} النساء/ 80.
ولقد ورد في رسالة بولس إلي أهل غلاطية [3: 28] قوله: «لأنكم جميعًا واحد في المسيح يسوع».
ونحن نسأل هل يعني هذا القول أن أهالي غلاطية متحدون في الجوهر والقوة وسائر الصفات، أو أنهم متحدون في الإيمان بالمسيح وفي شرف متابعته وهذا هو الأقرب للفهم والعقل.
لقد ورد بإنجيل يوحنا [17: 11] القول المنسوب للمسيح في صلاته لتلاميذه:
«أيها الآب القدوس _ احفظهم في اسمك الذي أعطيتني _ ليكونوا واحدًا كما نحن».
فهل يفهم أن هذا الاتحاد بين التلاميذ هو اتحاد في الجوهر والذات وسائر الصفات؟
لاشك أن هذا الفهم محال إذا لابد أن يكون المقصود أن يكونوا جميعًا واحدًا في حب الخير وان تكون غايتهم ورغباتهم واحدة نظير الاتحاد الذي بين المسيح وبين الله في إرادة الخير والمحبة للمؤمنين وهذا ما يفيده قول المسيح الوارد في إنجيل يوحنا الإصحاح السابع عشر الفقرة الثانية والعشرين: «وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحدًا كما أننا نحن واحد».

.قول المسيح: أنا في الآب والآب في:

ويستدل المسيحيون من هذا النص بالاتحاد والحلول بين الله والمسيح.

.الرد على هذا الاستدلال:

أولًا: أن في الكتاب المقدس عدة فقرات بحق الحواريين والمؤمنين تشبه عبارة «أنا في الآب والآب في» ومع ذلك فالمسيحيين لا يفسرونها كما فسروا قول المسيح: «أنا في الآب والآب في».
فلو كان قول المسيح «أنا في الآب والآب في» دليل على الاتحاد والحلول لأصبح جميع الحواريين والمؤمنين مثله سواء بسواء ذلك لأن المسيح قال لهم في إنجيل يوحنا [14: 20]:
1- («في ذلك اليوم تعلمون أني أنا في أبي وأنتم في وأنا فيكم».
2- وورد في رسالة يوحنا الأولى في الإصحاح الثاني قوله: «إن ثبت فيكم ما سمعتموه من البدء فأنتم أيضًا تثبتون في الابن وفي الآب».
3- وأيضًا جاء في نفس الرسالة [4: 13] قوله: «بهذا تعرف أننا نثبت فيه وهو فينا» أي الله.
4- ونفس المعنى أيضًا جاء في [3: 24] من نفس الرسالة.
فمن هنا عزيزي القارئ نرى كيف أننا لا نستطيع الأخذ بظاهر الكلام، وإلا لأصبح المسيح والحواريون وجميع المؤمنين آلهة كذلك، حسب ظاهر ما قيل.
فيفهم عزيزي القارئ أن معنى كون المسيح في الآب أي ثبوته فيه بالمحبة والرضا، ومعنى كون المؤمنين في المسيح أي ثبوتهم فيه بالمحبة والطاعة لما جاء به من عند الله ويكون الهدف والقصد واحد وهو هداية الناس إلي الله.
وبهذا نعلم بأن الحديث عن الروابط بين الله والمسيح، أو بين المسيح والمؤمنين، أو بين الله والمؤمنين لا يسمح بالحديث عن «روابط بين جواهر» أو «اتصال ذات بذات» وإنما غاية القول فيه أن يكون حديثًا عن صلات روحية معنوية. والله المستعان.
ثانيًا: تطرف النصارى بالفهم بعد تشبعهم بفكرة الاتحاد والحلول:
وتطرف النصارى في فهمهم للاتحاد والحلول أدى إلي القول بأن المسيح هو الله، وليس نبيًا كسائر الانبياء، لأن الآب «وهو الله» حسب قولهم حال فيه ومتحد معه، ويستدلون على ذلك بما ورد بإنجيل يوحنا [14: 10، 11] من قول منسوب للمسيح:
«الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي لكن الآب الحال في هو يعمل الأعمال».
لذلك يقول النصارى إن عبارة _ الحال في _ تفيد اتحاد المسيح بالآب مما يدل على حسب قولهم إن المسيح هو الله.
الرد:
ويرد على ذلك بأن:
هذا الحلول في المسيح هو حلول رضا الله ومحبته وقداسته ورضاه في المسيح، ومواهبة القدسية فيه، ويستدل على هذا بالآتي:
أولًا: في العهد الجديد:
1- ورد في رسالة يوحنا الأولى [3: 24] في وصف الله:
«من يحفظ وصاياه يثبت فيه وهو فيه، وبهذا نعرف أنه يثبت فينا، من الروح الذي أعطانا».
2- وورد في رسالة يوحنا الأولى [4: 12، 13]:
«إن أحب بعضنا بعضًا فالله يثبت فيه، ومحبته قد تكلمت فينا، بهذا نعرف أننا نثبت فيه وهو فينا».
ثانيًا: في العهد القديم:
1- ورد في المزمور [68: 16]:
«ولماذا أيتها الجبال المسنمة ترصدن الجبل الذي اشتهاه الله لسكنه، بل الرب يسكن فيه إلي الأبد».
2- وورد في مزمور [135: 21]:
«مبارك الرب من صهيون الساكن في أورشليم».
وهنا طبقًا للنصوص السابقة نجد أنفسنا بين أحد أمرين:
الأمر الأول:
إن من يؤمن بالمسيح ويحفظ وصاياه وأحب المؤمنين به يثبت الله فيه، ويثبت هو في الله، وهذا الحلول بعينه بلا مزية أو فرق بين المسيح وبينه، وبذلك يتحد الجميع بالله وبحلولهم في الله، والله يحل فيهم، ويكون كل واحد من هؤلاء المؤمنين بالمسيح أو ممن يحفظ وصاياه، هو الله شأنه شأن المسيح نفسه طبقًا لمنطق النصارى في الحلول.
وكذلك الأمر بالنسبة لاتحاد الله وحلوله في بالجبل أو بمدينة أورشليم، فيكون الجبل أو مدينة أورشليم هو الله طبقًا للمنطق السابق.
وهذا بالبداهة منطق خاطئ بالنسبة لمادة الحلول، ومادة الثبوت، ومادة السكن، والتي جاءت مترادفة في النصوص السابقة متحدة في معناها.
الأمر الثاني:
هو الجنوح إلي التأويل في معنى الألفاظ السابقة وذلك بأن نؤول ثبوت الله فيمن يحفظون وصاياه، وفيمن يحبون المؤمنين به، أو فيمن يحبون بعضهم بعضًا، أو فيمن يؤمنون بالمسيح بثبوته فيهم بالمحبة والرضا.
كذلك سكنى الله في الجبل أو في مدينة أورشليم، وتأويل ذلك هو وضع اسم الله المقدس عليها، وجريًا على قاعدة المساواة في التأويل، يجب تأويل ما ورد من حلول الله في المسيح بحلوله فيه بالمحبة والقداسة والطاعة والرضا وهذا هو المعنى الذي يجب الأخذ به.
ثالثًا: ورد في الكتاب لمقدس أن روح الله حلت على حزقيال وألداد وميداد كما أن روح الله تحل في المؤمنين، ولم يقل أحد إن واحدًا من هؤلاء متحد مع الله، أو أنه هو الله طبقًا للآتي:
1- ورد في سفر حزقيال [11: 5]: قول حزقيال النبي:
«وحل علي روح الرب».
2- ورد في سفر العدد [11: 26] عن ألداد وميداد:
«فحل عليهما الروح».
3- ورد برسالة يعقوب [4: 5] قول يعقوب:
«الروح الذي حل فينا يشتاق إلي الغيرة والحسد».
4- ورد في رسالة بطرس الأولى [4: 14] قول بطرس:
«لأن روح المجد والله يحل عليكم».
فإذا كانت روح الله حلت على حزقيال وألداد وميداد وتحل على النصارى وفيهم ولم يقل أحد بأن واحد من هؤلاء متحد مع الله أو أنه الله، فلماذا القول بذلك في المسيح، لمجرد الأخذ بظاهر كلمة متشابهة دون البحث وإجراء التأويل الذي يتفق مع باقي النصوص؟!
عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا.

.قول المسيح: هو ذا العذراء تحبل وتلد ابنا:

ويستدل المسيحيون أيضًا بما اقتبسه متى في الإصحاح الأول من إنجيله بنبوءة سابقة جاءت في سفر إشعياء في الاصحاح السابع يقول متى: (وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: «هو ذا العذراء تحبل وتلد ابنًا ويدعون اسمه «عمانوئيل» الذي تفسيره الله معنا».

.الرد على هذا الاستدلال:

أن هذا الاستشهاد الذي قام به متى من سفر اشعياء هو استشهاد خاطئ لأن كلام اشعياء لا ينطبق على المسيح فإن له قصة تدل على المراد به:
أولًا: لو قمنا بقراءة الإصحاح من سفر اشعياء كاملا لرأينا أن هذه الفقرة لا تتنبأ عن المسيح القادم بل هي وعد الله لأحاز بن يوثان ملك يهوذا على لسان النبي إشعيا بأنه سوف يعطيه آية وعلامة لزوال ملك أعدائه وقد بين له النبي اشعياء آية خراب ملك أعدائه وزواله وهي أن امرأة شابة تحبل وتلد ابنًا يسمى «عمانوئيل» ثم تصبح أرض أعداءه خرابًا قبل أن يميز هذا الصبي بين الخير والشر فتقول الفقرة السادسة عشر من الإصحاح السابع من سفر إشعيا «لأَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ الصَّبِيُّ كَيْفَ يَرْفُضُ الشَّرَّ وَيَخْتَارُ الْخَيْرَ، فَإِنَّ إِسْرَائِيلَ وَأَرَامَ اللَّتَيْنِ تَخْشَيَانِ مَلِكَيْهِمَا تُصْبِحَانِ مَهْجُورَتَيْن» أي أن احاز سوف ينتصر على... «إِسْرَائِيلَ وَأَرَام»، قبل أن يميز الصبي بين الخير والشر.
ثانيًا: وإذا رجعنا غلى النص العبري حسب النسخة المسوريه لسفر اشعياء نرى أن الكلمة المترجمة إلى «عذراء» في النص العبري هي كلمة «شابة» وليس عذراء كما في الترجمة العربية، وهكذا نرى ان الترجمة العربية لم تكن أمينة في ترجمة النص من سفر اشعياء.
ثم نرى كيف قام كاتب الإنجيل المنسوب إلى متى باستعمال كلمة «عذراء» بدل كلمة «شابه» عند اقتباسه لهذه الآية من سفر اشعياء لجعلها نبوة تحققت في المسيح عليه السلام.
ثالثًا: ثم إن المسيح عليه السلام لم يدعى «عمانوئيل» بل يسوع.
رابعًا: أن كلمة عمانوئيل التي فسرها الإنجيل بمعنى «الله معنا» كما تصدق على المسيح تصدق على كل من يؤمل منه الخير ويرجى من جهته الإحسان.. إذ ليس معنى الله معنا، أن الله بذاته مشخص وموجود معنا، بل الموجود معنا هو عونه ورعايته، كقول القائل: «الله معنا» إنما يقصد به معونة الله وتوفيقه ورعايته، وعلى هذا، فإن «عمانوئيل» هو مبعوث من عند الله ليعين ويرعى قومه! وأنه إذا كان اسم المولود لاشعياء ليس اسمه عمانوئيل، فكذلك المسيح ليس اسمه «عمانوئيل» وإنما جاء لفظ عمانوئيل في نبوءة اشعياء صفةً لهذا المولود، وليس اسمًا له.
هذا وقد أثبتنا ان هذه النبوءة قد تحققت في زمن اشعياء النبي وتحقق معها كل ما ورد منها من أحداث.
خامسًا: صيغة الأفعال هي في الماضي.
وهكذا نرى كيف قام كاتب انجيل متى بخطأ الاستشهاد بفقرات من العهد القديم لا تتعلق بالمسيح من قريب أو بعيد، بالإضافة إلى تحريفه لكلمة «شابه» واستبدالها بكلمة «عذراء» لتحقق نبوته المزعومة. ثم إن هذا الخطأ إن دل على شيء فإنما يدل على أن متى قد كتب إنجيله بغير إلهام لأن الملهم من الله لا يقع بمثل هذا الخطأ.
سادسًا: وإذا فرضنا جدلًا أن نبوءة اشعياء تنطبق على المسيح وأن «عمانوئيل» معناه «الله» فلا يمكن أن نتخذ من تسمية المسيح الله دليلًا على كونه هو الله، فإن الكتاب المقدس أطلق اسم الله على غير المسيح كما أطلقه على المسيح تمامًا فقد أطلق اسم الله على الملاك وعلى القاضي وعلى الأنبياء كموسى وعلى الأشراف كما ذكرنا سالفًا في الرد على عبارة «أنا والآب واحد» فبما أن هؤلاء جميعًا يطلق عليهم اسم الله كالمسيح فإما يعتبرون جميعًا آلهة حسب المعنى الظاهر وهو محال عقلًا، أو يئول الظاهر ويكون لفظ الله قد أطلق عليهم بالمعنى المجازي أو التشبيهي ولأجل الاحتراز بين لفظ الإله بالمعني المجازي والإله بالمعني الحقيقي أعلن المسيح عليه السلام ذلك في إنجيل يوحنا [17: 3] بقوله: «وهذه الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته».
ثم إن المسيح عليه السلام لم يرض أن يوصف بالصلاح طبقًا لما كتبه متى في [19: 16، 17] ونصه: «وَإِذَا واحد يَتَقَدَّمُ إِلَيْهِ وَيَسْأَلُ: أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، أَيَّ صَلاَحٍ أَعْمَلُ لأَحْصُلَ عَلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ؟» فَأَجَابَهُ المسيح: «لماذا تدعوني صالحًا، ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله».
ونحن نسأل:
إذا كان المسيح يقول للسائل لماذا تدعوني صالحًا ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله فمن هو إذن المسيح؟؟
نريد أن نعرف من هو المسيح؟؟!
إذا كان المسيح لم يرض بأن يوصف بالصلاح، فكيف يرضى بأن يوصف بالألوهية؟!!
{مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (المائدة: 75) صدق الله العظيم.